يقدّم الكتاب، بفصوله الأربعة، تحليلاتٍ مكثّفة ومتوازية، عالجت تطوّر الموقف الأميركيّ من القضيّة الفلسطينية، وفككت المضمون الصهيوني لمبادرة الرئيس دونالد ترامب، وتتبعت تاريخًا طويلًا من استراتيجيات القيادة الفلسطينية المتعثرة والمكابرة في التعويل على الولايات المتحدة في سبيل الحصول على دولة. ولم يخلُ الكتاب، في فصلٍ مستقل، من تقديم خطوطٍ عريضةٍ لبرنامجٍ نضاليٍّ يفسح المجال لإنشاء مؤسسات سياسية بأفق جديد يتعامل مع الواقع المفروض على الأرض بوصفه واقع فصل عنصري (أبارتهايد)، لا بوصفه نضالًا من أجل فكرة الدولة.
تتضمن إجابة بشارة عن السؤال تصوّره لمستقبل المشروع الوطني الفلسطيني، من موقعه مفكرا عربيا فلسطينيا، فهو يقدّم رؤية، ويترك أمر الإجابة عن سؤال "البرامج والخطط النضالية" للمشتغلين بالسياسة والأحزاب والتنظيمات، مكتفيًا "بالإشارة إلى الاتجاه"، إذ "لا معنى لوجود أي حزب سياسي فلسطيني، إذا لم تكن لديه إجابة عن سؤال البرنامج في الظروف الجديدة". وإذا ما عجزت الفصائل عن فعل ذلك، "فعليها ألا تستغرب أو تغضب من تولّد بدائل" يبدو وكأنه يتنبأ بمولدها، ويضع شرطًا لذلك أن تتجمّع "المبادرات المنتشرة في كل مكان" وتنتظم.
في فصل "ما العمل؟" ما يستوفي شروط برنامج نضالي فلسطيني وعربي، ومع أن أن كاتبه يقدمه اليوم بمنهجيته كمفكر في السياسة والاجتماع والتاريخ بخلفية نضالية طويلة، إلا أنه يرتقي ليكون بمثابة بيان سياسي مؤسِّس، لم يصدر عن أي جهة أو فاعلين وشخصيات وطنية فلسطينية ما يشبهه، في مرحلة هي الأحلك في تاريخ القضية الفلسطينية من ناحية توسع نظام الفصل العنصري، وانفضاض المحيط الرسمي العربي عن القضية الفلسطينية، بل وتآمره عليها بالتحالف مع إسرائيل لا مجرد التطبيع معها.
ينتقد بشارة النظرة السائدة تجاه السلفية، التي تحيلها على مجموعة أفكار متجانسة وصلدة متماسكة، إذ أن الواقع يؤكد أنها "سلفيات" لا سلفية واحدة، وأنها ذات اتجاهات متعددة، ومدارس مختلفة.
تهتم هذه ادراسة بتعاطي المفكر العربي عزمي بشارة مع الظاهرة السلفية ومتخيلاتها ضمن كتابه "في الإجابة عن سؤال ما السلفية؟"، حيث تسعى إلى إبراز ومناقشة جوانب مهمة من طبيعة ووظيفة الاستذكار المؤدلج ضمن الظاهرة السلفية كما عالجها الكتاب الذي يضم بين دفتيه حفريات في ذاكرة الظاهرة السلفية بتنويعاتها المتباينة، في محاولة بينتخصصبة لتقديم فهم دقيق للظاهرة بوصفها استنادا مؤدلجا لماض متخيل، ببرز فيه الفعل السلفي من كونه فعلاً استذكاريا. مما يجعل من هذا الكتاب دعوة مستجدة لفتح أفاق بحثية للتعاطي البينتخصصي مع الحركات الدينية الحديثة بوصفها قطاعا مهما من مجموع المتخيلات الاجتماعية ذات الحضور الواضح في السياق السوسيوثقافي للمنطقة.
بعد أن أيقن الإنسان في عزلته المنزلية أنه لا محالة خاسرٌ ربيع هذا العام، علَّل نفسه بأنّ ذلك أرحم من خسارة ما تبقى من فصول في خريف هذا العمر، والأهم من ذلك أنّ فقدان ربيع النسيم العليل لربيع واحد أهونُ من استجداء الهواء الممتنع عن الرئتين، أو ربما توسّل الموت لينجيه من الاختناق البطيء وحيدًا على سرير في مستشفى ميداني بلا اسم. وتساءل: متى نعود إلى حياتنا الطبيعية؟ ثم مرّت خاطرة بباله: وهل كانت حياتنا التي نتمنى العودة إليها طبيعية؟ ما الطبيعي في "حياتنا الطبيعية"؟
بعد أن أيقن الإنسان في عزلته المنزلية أنه لا محالة خاسرٌ ربيع هذا العام، تساءل متى نعود إلى حياتنا الطبيعية؟ وما لبث أن فطن: وهل كانت حياتنا التي نتمنى العودة إليها طبيعية؟ ما الطبيعي في "حياتنا الطبيعية"؟
لا تتوقف بعض وسائل الإعلام عن الدجل والتدجيل والهرج والتهريج بشأن الوباء وفعله، وأصله، وعلاجه ب"المرجلة والمراجل" الفولكلورية، مثل شعبوية الوصفات من المأكولات الشعبية. ثمة ابتسامة مميزة ترتسم على وجوه المذيعين الذين يعتقدون أن بلادهم وحدها تمتلك مأكولات شعبية. ولكني أشتم رائحة خبث وتواطؤ مع تقصير السياسات الصحية العامة. فالتهوين من الأمر وحله بالوصفات الفولكلورية قد يريح الدولة وجهازها الصحي من جماهير غفيرة قد تقتنع به.
يستحيل الحفاظ على المسافة اللازمة للحفاظ على خصوصية الجسد والحفاظ في الوقت ذاته على التعبير عن المشاعر والود والصداقة وعدم كبت تعبيراتها الجسدية، إذا كان المرء مضطرا للانشغال طوال اليوم في الحرب دفاعا عن كل سنتمتر من خصوصيته، وذلك على جبهات مختلفة..
لكل إنسان الحق أن يعبر عن رأيه. ولكنه حق مجرد لا معنى له إذا كان الممارس لهذا الحق لا يعرف عما يتكلم، أو يتكلم بلا هدف أو دافع سوى قراره استغلال هذا الحق لأنه لا يستطيع أن يجلس بصمت.
Subscribe to عزمي بشارة