تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
3 مايو, 2007

عزمي بشارة.. وجهة نظر أخرى

محمد جلال نعمان

يقول المثل العربي ‘’صديقك من صَدقك لا من صّدقك’’ ومن هنا نعبر عن وجهة نظر أخرى بشأن المناضل الفلسطيني عزمي بشارة. ولفهم ذلك لابد من تحديد أو بالأحرى إعادة التذكير بمبادئ أساسية تتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

المبدأ الأول: إن إسرائيل هي مستعمرة استيطانية على أرض فلسطين ومن ثم فمن مصلحتها أن يغادر جميع الفلسطينيين أرض فلسطين.

المبدأ الثاني: إن سيادة إسرائيل منذ قيامها هي ممارسة أقصى الضغوط على الفلسطينيين لترك بلادهم، ومن ثم فإن كل فلسطيني يترك أرض فلسطين يمكن مصادرتها باعتبارها أملاك غائبين وفقاً لممارسات إسرائيل الظالمة وإحلال مستوطنين يهود محلهم. ومع مضي الزمن تنسى الذاكرة اسم تلك القرى والمدن الفلسطينية وتستخدم الأسماء اليهودية.

المبدأ الثالث: إن كل مهاجر فلسطيني وعلى رغم أنفه بالطرد أو الأبعاد أو تحت ضغوط الحياة لم يعد وظل لاجئاً يحلم بالعودة التي لم تتحقق على مدى أكثر من ستين عاماً حتى الآن.

المبدأ الرابع: إن إسرائيل على رغم ما يشوب نظامها السياسي من تمييز فهو يمثل نظاماً ديمقراطياً في منطقة تعاني شعوبها من القهر وغياب الديمقراطية. وحقاً أن الديمقراطية الإسرائيلية مليئة بالثقوب والعيوب ولكن بها بعض منافذ الأمل للمستقبل الفلسطيني.

المبدأ الخامس: إن عرب فلسطين 1948 الذين صمدوا وأجبرتهم إسرائيل على قبول المواطنة من الدرجة الثانية أو الثالثة أتيح لهم ممارسة حق الانتخاب والترشيح وأصبح لهم نواب بارزون في الكنيست وفي مقدمتهم عزمي بشارة.

المبدأ السادس: إن النواب العرب الفلسطينيين في الكنيست كان يمكن أن يمثلوا قوة رئيسة في الكنيست تؤثر في القرار الإسرائيلي لو أنهم اتحدوا في كتلة واحدة ونسوا الجانب الإيديولوجي والجانب الشخصي وجعلوا قضية فلسطين هي قضيتهم الأولى والأخيرة. فهم يمثلون نحو ربع سكان إسرائيل وكان يمكن أن يكون لهم ربع أعضاء الكنيست لو لم يتفرقوا إلى أحزاب وتكتلات مختلفة.

المبدأ السابع: إن النضال على أرض الوطن يعني بقاء المبدأ حياً في قلوب وعقول الأصدقاء والأعداء على حد سواء. أما النضال في الخارج فهو سباحة في خضم العالم له بريقه المؤقت الذي ينطفئ بعد فترة، ومن يتابع الحركة الفلسطينية يلمس ذلك بوضوح.

المبدأ الثامن: إن النائب العربي الفلسطيني في الكنيست ربما كانت مسؤوليته الأولى تطوير المناطق العربية الفلسطينية وتجميع صفوف الفلسطينيين لتوحيدها بدلاً من الخروج للخارج والالتقاء بالإعلام والصحافة وبقوى سياسية معروفة مواقفها من إسرائيل ومواقف إسرائيل منها ومن ثم يسهل ضرب تلك العناصر والتخلص منها أو يسهل إطفاء الأضواء الإعلامية عليها.

المبدأ التاسع: إن مهاجمة إسرائيل واتهامها بالعنصرية ونحو ذلك هو أسهل شيء وهو الأسلوب المؤكد لتقديم المناضل للمحاكمة وحبسه، أما التعامل مع إسرائيل وقواها العقلانية لاستقطابها فهو الطريق الصعب والوعر. إن الأول كمن يقتل الناطور ليحصل على العنب ولكنه لن يحصل عليه إذ سيلقي البوليس القبض عليه ويسجنه. أما إذا غازل الناطور فسوف يحصل على العنب مهما كان قليلاً.

المبدأ العاشر: إن الاستعمار الاستيطاني هو أقسى أنواع الاستعمار، والاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي هو أكثر تلك الأنواع سوءاً وظلماً وعدواناً وديكتاتورية لأنه لا بديل أمام إسرائيل سوى الوجود أو الفناء، ومن هنا عنف الرد الإسرائيلي والإيديولوجية العدوانية الوحشية الإسرائيلية إزاء هذا فإن المرونة والعقلانية مطلوبة من أولئك الفلسطينيين في داخل إسرائيل. ومعروف أن الاستراتيجية التقليدية بالغزو من الداخل أو التسلل من الداخل أيسر من الغزو أو التسلل من الخارج سواء في استراتيجية التحرير أو في استراتيجية الوصول للسلطة.

المبدأ الحادي عشر: لقد فشلت محاولات تثوير الأمة العربية أو بالأحرى النظم العربية على مدى خمسين عاماً فلكل نظام حساباته وارتباطاته والمتابع للأوضاع العربية يجدها في تراجع بالنسبة لمواقفها من فلسطين وغيرها من قضايا النضال.

المبدأ الثاني عشر: إن العالم الخارجي يعتمد على منطق المصالح ويتراجع لديه منطق المبادئ والشعارات ولعل فرض الحصار والتجويع على شعب فلسطين بعد ممارسته خيار الديمقراطية خير من يدل على ذلك.

المبدأ الثالث عشر: إن النضال السياسي هو أصعب أنواع النضالات ولقد حرر غاندي الهند عبر النضال السياسي الشعبي السلمي ولم يحررها بوجوده خارج البلاد ولم يختر النفي أو الأبعاد بل كان حريصاً على التواجد ومقابلة الظلم والقهر بالصبر وتجميع الصفوف.

وفي تقديري المتواضع إن عزمي بشارة مناضل عظيم وشريف ولكنني أختلف معه في قراره التعامل العادي مع قوى خارج إسرائيل وكان يمكنه أن يركز جهوده على توحيد الداخل الفلسطيني وتجميع صفوف شعبه ونوابه ويترك النضال في الخارج أو من الخارج لفلسطينيين آخرين غير قادرين على العودة لأرض فلسطين.

ومع كل الحب والتقدير والإكبار لنضال عزمي بشارة فأنني اختلف معه في تقدير منهج النضال فهو يقدم نفسه طواعية للشهادة من أجل فلسطين وبثمن بخس في حين كان يمكن أن يكون مناضلاً له ثم ضخم لو استمر على أرض الوطن.

*مستشار الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز البحرين للدراسات والبحوث