محمد صادق الحسيني
«انه قد يصلح رئيسا لجمهورية فلسطين في المرحلة المقبلة» قالتها بكل عفوية وبساطة الفلاحة الجنوبية من بلاد جبل عامل الشيعية المنفتحة على الاقليم الاكثر خصوبة في بلاد الشام. خصوبة في الارض والانسان والثقافة والكفاح من أجل حق الحياة والحرية والاستقلال لفلسطين.
هذا ما سمعته في أول تعليق معبر لمواطنة عربية لبنانية مناضلة على خطوة محاكمة الدولة العبرية للمناضل العربي الفلسطيني عزمي بشارة.
وعندما سألتها كيف يمكن لرجل مثل عزمي بشارة ان يصبح رئيسا لجمهورية فلسطين؟ وهو عضو في الكنيست الاسرائيلي وهو التشكيل الذي نرفضه كما نرفض كل تشكيلات الكيان الصهيوني الغاصب، ومن ثم فهو ينتمي الى «الأقلية» المسيحية، وهم وان كانوا اخوة لنا من أهل الكتاب إلا أن العرف واموراً أخرى كما تعرفين قد تكون عائقا أمام تولي شخص مثله لمثل هذا المنصب! فقالت لي، والحديث يزداد حماسة واندفاعا ومساندة للمناضل الكبير: لعل في كل ما ذكرت دافعا وسببا اضافيا يجعلني افكر بأنه يصلح لمثل هذا المنصب. فهو قد يكون اعرف الناس بطبيعة الفاشية الصهيونية التي تحيط بكل جوانب الدولة المغتصبة لحقوق الفلسطينيين وأكثر الناس تلمسا لخطورة الطرح العنصري الذي يشكل جوهر قيام هذه الدويلة على ارض فلسطين حتى قبل احتلال الاراضي التابعة لفلسطين في عام 1967.
ثم الم يكن عزمي بشارة من أوائل الذين تحدوا عنصرية هذا الكيان وفاشيته ونازيته الجديدة وقمعه واستبداده في عقر وصميم هيكليته؟ بل، وهل ننسى بأن عزمي بشارة انما يُحاكم اليوم في الناصرة العربية بسبب موقفه المساند لحزب الله اللبناني المقاوم، والكل يعرف توجهات حزب الله ومبادئه؟ وايضا بسبب موقفه المبدئي المدافع عن انتفاضة شعب فلسطين المباركة؟ بل، وايضا وايضا بسبب مواقفه الشجاعة في الدفاع عن الموقف العربي عموما المطالب بحقوقه المضيعة في أروقة المجتمع الدولي الظالم، لا سيما حقوق الشعب العربي السوري في الجولان المحتلة؟
ثم ألم تسمع برأيه الصريح والشجاع والشفاف تجاه ايران التي وضعها الرئيس الامريكي جورج بوش الابن في محور الشر دون وجه حق؟! ثم كيف دافع عن حقها في الوقوف الى جانب الفلسطينيين وعن كونه لا يجد أي سبب ليشكك في موقفها وتعهداتها تجاه فلسطين! كما وردت في تصريحاته الأخيرة لاحدى الفضائيات العربية.
وختمت قولها بكل عفوية بنت جبل عامل الفلاحة المناضلة مرة أخرى، وقالت بحسها الفطري الغريزي المندفع: ألا يحق لنا ان نقول عنه:
«عزمي بشارة منا أهل البيت»، وذلك في استذكار عاطفي رقيق ومعبر ومليء بالمعاني للتاريخ العربي الاسلامي، وفي اشارة مجازية الى ان بشارة في مجمل مواقفه النضالية بات جزءا لا يتجزأ من مجموع موقفنا الحضاري والعقيدي والفكري والسياسي تجاه القاعدة الاستعمارية المتقدمة «اسرائيل» أياً كان انتماؤه الديني والسياسي، وأياً كانت نشأته الفكرية.
وحدهم الظلاميون والمتعصبون والاقزام، هم الذين يهابون ان يتحول تلاحم أهل جنوب لبنان وأهل سوريا وأبناء العروبة والاسلام مع عزمي بشارة ونضالاته ضد الفاشية الصهيونية العنصرية، الى بلورة مدرسة متطورة في النضال السياسي ضد الدولة العبرية عنوانها: الحرية والاستقلال لفلسطين أولاً.
ليس مطلوبا ان يصادر احدنا رأي الآخر، ولا ان يقصيه من دائرة النضال. المطلوب التضامن الكامل مع المناضل الشجاع عزمي بشارة الذي يحاكم دولة اسرائيل اليوم ويحاصرها ويضعها في قفص الاتهام قبل ان تحاكمه هي أو تحكم عليه.
ان مرافعة عزمي بشارة هي مرافعة الشعب الفلسطيني التاريخية ضد العنصرية والفاشية والصهيونية الحاقدة.
وحديث الفلاحة العاملية العفوي الذي مر ذكره وان لم يكن برنامجا سياسيا أو موقفا عقائديا مطلوبا للتصويت عليه أو معارضته، لكنه تعبير مؤثر عن صدقية مواقف عزمي بشارة النضالية وصداقته واخلاصه لشعبه الفلسطيني العربي وانتمائه لأمته الأكبر الممتدة في الوطن العربي والاسلامي بكل تلاوينها واطيافها المتنوعة.
ان ابناء فلسطين من اراضي عام 1948 مرشحون جميعا ان يكونوا عزمي بشارة في المستقبل، في ظل تصاعد المد الفاشي في اسرائيل من جهة، وتنامي الصحوة الفلسطينية التحررية من جهة أخرى.
انهم سيكونون بلا شك عنوان المستقبل الواعد، خاصة اذا ما حقق الشعب الفلسطيني انتصاره المتوقع في قيام دولة له فوق اراضي عام 1967 بعاصمتها القدس الشريف.
ثمة من يعتقد بأن اليمين الاسرائيلي المتطرف الذي قرر ان يحاكم عزمي بشارة انما قرر بعمله هذا ان يحاكم عهدا كاملا من ممارسات التمييز العنصري الاسرائيلي، وقد تكون هذه المحاكمة بداية العد العكسي لمقولة الديمقراطية الاسرائيلية الزائفة.
انها كما قال واحد منهم وهو أمنون كابيليوك: «انها أشبه بأن يرتد السيف ضد صاحبه، أو ان يرتد الرمح لنحر صاحبه». فهل أوصل مجرم الحرب شارون اسرائيل الى مرحلة الانتحار السياسي؟! أياً تكن صحة التحليلات التي تقول بذلك، فإن القدر المتيقن منها هو ان شارون فشل فشلا ذريعا في تحقيق حلم الأمن للاسرائيليين على حساب الفلسطينيين. وقد بات الحد الأدنى الممكن من هذا الأمن هو: إما ان يكون للجميع أو لا لأحد.
وأما عزمي بشارة المناضل، فإنه يكافح في اطار مشروع الحد الأدنى من «الدولة الديمقراطية» الانسانية المطلوبة، والتي تتطلب في الحد الادنى ضرورة «تفكيك مقولة الدولة العبرية العنصرية الصهيونية» القائمة حاليا في تل أبيب وفوق اراضي فلسطين من عام 1948.
وكما يناضل عزمي بشارة وأهل فلسطين في اراضي عام 1948 من أجل فضح سياسات العنصرية الصهيونية ضد عرب فلسطين، فإن أبطال الانتفاضة واطفال الحجارة في اراضي فلسطين من عام 1967، انما يناضلون لطرد الاحتلال وفضح سياساته التوسعية والهيمنة على الفلسطينيين وعلى الدول العربية المجاورة وفي اطار عملية تكامل نضالية، مطلوب منا نحن العرب والمسلمين دعمها ومساندتها ليس دفاعا عن فلسطين وحدها، بل دفاعا عن أمن دولنا وأمن جماهيرنا وأمن عقيدتنا وثقافتنا، المطلوب محاصرتها وتشويهها ومن ثم اخراجها من دائرة الفعل والتأثير في مقدمة لجعلنا تابعين لعولمة اقل ما يقال عنها عندما تنتمي اليها الفاشية العنصرية الاسرائيلية وتصبح هي المدافعة عنها و«الطليعة» فيها: بأنها عولمة متوحشة مناهضة للانسانية.
فألف تحية وكل الفخر والاعتزاز للمناضل الفلسطيني العربي الشجاع عزمي بشارة عنوان مناضلي عرب وفلسطينيي 1948، الذين بصمودهم وصبرهم انما هم الذين يحاصرون العنصرية والفاشية الاسرائيلية ويحاكمونها.
وعاشت فلسطين حرة مستقلة وموطنا للتعايش والعيش الانساني المشترك على انقاض الصهيونية بكل اشكالها.
الشرق الأوسط
عُرِف عزمي بشارة بإنتاجه الفكري الغزير وأبحاثه المرجعية في مجالات المجتمع المدني، ونظريات القومية وما أسماه "المسألة العربية"، والدّين والعلمانية