تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
16 مايو, 2007

عزمي بشارة ..مشروع شهيد آخر

محمد علي الحايك 

وسط تداعيات الوضع العربي العام، وما به من احتلال و اغتصاب و قواعد و مؤامرات, تطول الأمن القومي العربي و الوجود العربي ذاته, و مع ارتفاع وتيرة الاستجداء بتفعيل مبادرة السلام العربية دون وجود البديل, يطل علينا رجل قادم من معارك الفتح و ملاحم التاريخ, بطل من أكناف"بيت المقدس "و "ناصرة" السيد المسيح عليه السلام,قائد من فلسطين عربي الوجه و اليد و اللسان, يهتك بسيفه اليماني عتمة الليل العربي, يمزّقُ بوقفة العزِّ هذه صكوك الاستسلام و اتفاقات الإذعان و التطبيع المذل مع الأعداء ,يحمل بيمينه فجر الحرية و بيساره شارة النصر على طريق المستقبل الواعد... إنه المناضل القومي العربي الدكتور عزمي بشارة ابن النكبة التي نعيش مرارات ذكراها التاسعة و الخمسين ....

لقد أُصيبتْ فلسطين بما لم يُصب به وطن من أوطان الدنيا عبر التاريخ, اقتلع شعب من أرضه, و طرد من دياره, ليصبح لاجئاً في أوطان الآخرين, و يحل محله شتات آخر من شعوب ٍ متعددة بدعوى العودة إلى أرض الميعاد لشعب الله المختار .. إلا أن فئة من شعب فلسطين لم يُتح لها مغادرة أرضها لظروفٍ مختلفة منها : التمسك بالأرض حتى الموت أو أن الأحوال الاجتماعية و المادية كانت أقوى منها فقبلت العيش مغلوبة على أمرها في الكيان الصهيوني الجديد الذي أعطاها جنسيته "الإسرائيلية"طمعاً في احتوائها,و قد عرفت هذه الفئة فيما بعد بــ عرب الـ48.. و في فترة لاحقة من فترات الصراع العربي الصهيوني لحق عرب الـ48 ظلماً كبيراً من أبناء جلدتهم في الدول العربية, حيث اتهموا بأنهم عملاء و جواسيس للدولة العبرية, لكن واقع الحال أثبت فيما بعد بأنهم حافظوا على هويتهم العربية و انتمائهم العربي و ولائهم لفلسطين, فقد شكلوا رديفاً للمقاومة الفلسطينية, كلّ ٌ بطريقته,بالثورة و البندقية في الأراضي المحتلة عام 1967,و الاسناد المعنوي و المادي داخل الخط الأخضر, أي أن عرب الـ48 ,أصبحوا عمقاً استراتيجياً لإخوانهم الفلسطينيين المقاومين للاحتلال ...... و في موضوع العمالة فإن رئيساً لأكبر دولة عربية قد قدم لإسرائيل ما لا يستطيع جيش من العملاء أن يقدمه, فالاعتراف بحق الاغتصاب و تبادل التمثيل الدبلوماسي و التعاون الاقتصادي و التطبيع في شؤون أخرى يفوق في تقديري ما قدّمه(بن غوريون) الرئيس المؤسس للكيان الصهيوني.......

وعوداً على بدء ... نقول :ولد عزمي بشارة في الناصرة بفلسطين عام (1956)ـــ أي العام الذي شهد التصدي للعدوان الثلاثي على السويس و انطلاقة المد القومي العربي بقيادة جمال عبد الناصر ـــ و درس في مدرسة الجليل,و في جامعة حيفا درس علم النفس, ثم درس القانون في الجامعة العبرية في القدس, و أما الفلسفة ففي ألمانيا الشرقية, و بعدها عمل مدرساً في جامعة بيرزيت بين عامي (86-1996).

و أسس عزمي بشارة ذو التوجهات اليسارية حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" 1996 الذي قاد أكبر وأشمل عملية تثقيف سياسي و فكري و ديمقراطي في أوساط عرب الـــ48,و نقل هؤلاء من خانة الخائفين على الوجود و القائلين بالإخاء العربي اليهودي إلى موقع المطالبين بالحقوق باعتبارهم عرباً و فلسطينيين, يجب أن يتواصلوا مع أبناء شعبهم الفلسطيني و إخوانهم في الدول العربية المجاورة و هذا ما ترفضه (إسرائيل)و تعتبره مهدداً لأمنها و مستقبلها, و يقوم مشروع حزب"التجمع الوطني الديمقراطي" على :فصل الدين عن الدولة, إعطاء الأقلية الفلسطينية حقوقها الثقافية , الدولة لكل مواطنيها يتعايش فيها العرب و اليهود ديمقراطياً,إلغاء قانون العودة الخاص باليهود, التعاون مع الدولة الفلسطينية المنشودة على أراضي االـــ67.....

ولأن (إسرائيل ) تدعي أنها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط فقد سمحت لمواطنيها العرب الاشتراك في انتخابات (الكنيست),و من هنا فقد دخل عزمي بشارة إلى (الكنيست)من باب الديمقراطية سنة (96-99-2005), و رفع شعار دولة لكل مواطنيها في مواجهة العنصرية الصهيونية و الديكتاتورية اليهودية التي تتستر بشعارات الحرية و الديمقراطية, و ليثبت للعالم كله بأن النظام العنصري في فلسطين المحتلة هو توأم نظام (الأبارتهايد) في جنوب أفريقيا فكراً وممارسة .... و عليه فقد كرّس عزمي بشارة نضاله في إعادة بعث الهوية العربية للفلسطينيين في الخط الأخضر وإبراز موروثهم الثقافي و الحضاري إلى حيز الوجود, بعدما رمى و رفاقه خلف ظهورهم الخوف من سطوة الحاكم العسكري الإسرائيلي, و لما كان إيمانه بالعروبة الحضارية المستوعبة لمسلميها و مسيحيها بلا حدود, فقد حمل على عاتقه تحدي التواصل مع القضايا العربية في كل مكان من الوطن العربي, فقام بزيارة سوريا و لبنان عدة مرات و زار مصر و بعضاً من دول المغرب العربي و اليمن و غيرها, مناصراً المقاومة العربية في كل حواراته و ندواته و مؤتمراته,.... و يعتبر عزمي بشارة مناضلاً عربياً شاملاً بكل ما تحمله هذه الصفة من المعاني ....!!....فهو القومي العربي و الناصري و اليساري المدافع عن الديمقراطية و العدالة الاجتماعية و الحقوق العربية و الروائي المبدع بروايتيه (حب في منطقة الظل,الحاجز) و عضو المؤتمر القومي العربي ....

و اليوم .... فقد لفق له جهاز (الشاباك)الإسرائيلي تهماً سياسية يراد منها اغتياله معنوياً و مادياً أو على الأقل و ضعه في السجن من مثل:إنه مواطن إسرائيلي يخون بلاده بتعامله مع دول و منظمات جهادية في حالة حرب مع (إسرائيل), و قدّم معلومات عن (إسرائيل ) إلى حزب الله ساهمت في انتصار الحزب بحرب تموز /2006.....
إن الكيان الصهيوني يريد تغطية هزيمته في الحرب على لبنان بناء على تحقيقات لجنة"فينوغراد"باتهام عزمي بشارة بتقديم معلومات عن (إسرائيل) و كأن حزب الله لم يجد هذه المعلومات الاستخبارتية إلا عند مفكر و مثقف لم يمارس العنف في حياته لكن جريمته الوحيدة أنه قال :((إن حزب الله ليس إرهابياً ))!! و هكذا فقد رد عزمي بشارة على الفزاعة التي ألقتها إسرائيل في وجهه باستقالة مدوية من الكنيست تخلصاً من الحصانة التي أصبحت عبئاً عليه فيقول:(( دوري في المرحلة المقبلة هو فضح المخطط الإسرائيلي الهادف لإخافة فلسطيني الــ48 و فرض الولاء عليهم للاحتلال , و دوري أيضاً إيجاد ولاء قومي عربي و هوية فلسطينية )). و بهذه المواقف الشجاعة فقد تحول عزمي بشار إلى مشروع شهيد مثل حسن نصر الله و خالد مشعل يصدق فيه قول المتنبي:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم و تـأتي على قدر الكرام المكارم

عزمي بشارة..... أيها المناضل الجسور, يا ابن أُمّي .... حماك الله ...!!