فراس القاضي
لأنك لست عادياً تحظى بهذا الاهتمام العادي .. لأنك استثنائي تحظى بهذا التضامن الاستثنائي .. أحببناك لأنك فلسطين لا جزء منها أو طائفة منها أو حزب منها .. أحببناك لأنك من حماس لكن دون لحية .. ولأنك من حزب الله لكن دون عمامة سوداء .
تضامنّا معك لأنك برهنت أن الأوطان ليست لدين دون آخر ، أو عرق أو لون دون آخر ، وإنما الوطن لكل أبنائه الشرفاء . نشكرك من القلب لأنك سحبت العقول قليلاً من دوامة الشيعي والسني .. نشكرك من القلب لأنك أثبت أن العروبة دين .. وأن القومية دين .. وأن الوطنية دين .. وأن الحق دين .. وأن المقاومة دين .. وأن الاستشهاد في سبيل أي قضية عادلة دين ، وأن الدين أي دين دون كل ذلك ليس بدين . آثرت أن تفرد أوراقك فوق الطاولة وفوق رؤوسهم التي لن تخفي وساختها وإجرامها تلك القلنسوات الصغيرة .. طردوك من بلادك فأسكنوك في قلوبنا وضمائرنا .. لم تفاوض أو تهادن أو تناور .. بل كنت كما قال مظفر النواب : البعض على طاولة أخرى للسكر بدم المخلوقات .. أنا هذي طاولتي يقرؤني من يرغب حسب ثقافته في العشق وقد يخطئ .. لا أستاء أرادوا إعطاءك الهوية الغالبة الثرية الفاعلة القوية القاتلة ، فأبيت إلا أن تحتفظ بالهوية المغلوبة الفقيرة المحاصرة المقاومة الشهيدة .
ويا لحظك القوي .. فحتى التهم الموجهة إليك - وإن كانت باطلة - تقطر شرفاً ومؤكد أنك فرح بها . لا شك أن بعض الأعراب يتساءلون الآن : ( ما الذي دهى هذا الرجل لا يقدر النعمة التي هو فيها؟! يجلس في الكنيست ليتحدث عن فلسطين ! يمنحونه الفرصة تلو الأخرى ليتغير ، لكنه يبقى فلسطين الشوكة في حلوقهم وعيونهم ! يمنعونه من زيارة سورية فيلقي خطاباً في الجولان ! يشنون الحرب على لبنان فيجاهر بمحبة المقاومة وتأييدها وفي عقر دارهم ! والله إنه العجب ؟! ) . ثم لعل أكثر ما يزعج الإسرائيليين أنك لست مسلماً ، فلن يستطيعوا تصنيفك مع فرقة دون أخرى ، أو يحرضوا عليك هؤلاء لأنك لست مثلهم ، أو يمولوا هم وأصدقاؤهم البعض لقتلك بحجة الدين . وربما لو كنت تتحدث قسم من مدينة أو جزء من طائفة أو ثلة من مذهب لما غضبوا منك وعليك ، بل على العكس ربما كانوا سيعطونك حكماً ذاتياً في مكان ما يعلقون عليه لافتة مكتوب عليها فلسطين .. لكن الذي أغضبهم هو أنك لا تتحدث عن الفاء أو السين أو اللام ، بل عن الحروف الستة مجتمعة في فلسطين ، وهذا هو الخط الأحمر عندهم وعند كثيرين غيرهم ، ومن هؤلاء الكثيرين وللأسف أعراب قالوا آمنّا .. لست صدفة . ولا اسمك صدفة .. ولا ما يحدث معك وفي هذا الوقت بالتحديد صدفة .. بل هي البشارة .. البشارة بقرب اكتمال طاولة الفرسان . وعندما تكتمل .. ستأتي البشارة الأكبر .
عُرِف عزمي بشارة بإنتاجه الفكري الغزير وأبحاثه المرجعية في مجالات المجتمع المدني، ونظريات القومية وما أسماه "المسألة العربية"، والدّين والعلمانية