تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
21 نوفمبر, 2001

الكنيست الإسرائيلي والبطش بالنواب العرب

علي بدوان 

من مجموع تسعة اعضاء عرب في الكنيست الاسرائيلي فتحت سلطات الاحتلال التحقيق مع ستة منهم بتهم سياسية ذات بعد أمني واستتبع هذا الاجراء الاسرائيلي رفع الحصانة عن النائب عزمي بشارة بتصويت مباشر من قبل الكنيست.

يعتبر عزمي بشارة ومجموعته الحزبية من القوى الحديثة نسبيا في الخارطة السياسية الاسرائيلية وتحديدا في صفوف العرب الفلسطينيين الذين بقوا على ارضهم عام النكبة، تشاركه مجموعة قومية عربية تحمل اسم حركة ابناء البلد جزءا كبيرا من توجهاته بابعادها الفكرية والسياسية. دخل الكنيست لأول مرة في دورته الـ14 ضمن قائمة التجمع العربي التي حصدت مقعدين حل بأحدهما النائب عزمي بشارة بينما حل الدكتور أحمد الطيبي في المقعد الثاني، واعيد انتخاب بشارة مرة ثانية في انتخابات الكنيست الـ 15 بقائمة واحدة للتجمع الوطني الديمقراطي لا علاقة لها بمجموعة الدكتور أحمد الطيبي التي تحمل اسم القائمة العربية للتغيير.

وعلى الدوام شكل بشارة تحت سقف الكنيست حالة عروبية تصلبت في رحم المعاناة التي عاشها التجمع العربي الفلسطيني على ارض فلسطين 48، كما هو حال العرب التسعة الاعضاء في الكنيست، وربما ما يميز بشارة مجموعة الافكار التي يطرحها منذ فترة ليست بالقصيرة، وهي افكار ليست بالضرورة صائبة على مساحة واسعة او ضيقة بقدر ما تثير من حوار وحراك فكري بين القيادات الفلسطينية والعربية وداخل مختلف الاوساط الفلسطينية، كما يتميز بشارة بروح المبادرة التي يحملها في الدفاع عن قضايا شعبه في المساواة والحقوق، اضافة الى التكوين الآيديولوجي الذي صقل وعيه السياسي والنضالي في اطار حزب راكاح الاسرائيلي ذي الاكثرية العربية الساحقة قبل خروجه منه على خلفية الموقف من المسألة القومية، وانتقاله الى تشكيل اطاره التنظيمي والسياسي بهرم رأسه القيادي وقاعدته الوسطى جاءت بأغلبيتها من صفوف حزب راكاح.

* خطوة غير مسبوقة

يعتبر رفع الحصانة عن بشارة حدثا جديدا يستوجب التوقف قليلا، نظرا لما يحمله هذا الحدث من مؤشرات ودلالات تتعلق ليس فقط بمستقبل الدولة الاسرائيلية بيهودها وعربها، وانما ايضا بمستقبل اكثر من عشرين في المائة من سكان هذه الدولة هم المواطنون الفلسطينيون البالغ عددهم قرابة مليون ومائة ألف نسمة. وفق بيانات المكتب المركزي للاحصاء الاسرائيلي.

فالخطوة غير المسبوقة في تاريخها السياسي، تقدم اسرائيل بعملية مدروسة على تجميد عضوية عربي من اعضاء الكنيست وتحديدا منذ المشاركة العربية الاولى في الانتخابات البرلمانية الاسرائيلية اواسط الخمسينات تحت يافطة قوائم حزب العمل (زيدان عطشة، محمد وتد، حماد ابو ربيعة، سيف الدين الزعبي..) وبعدها ضمن قوائم الحزب الشيوعي الاسرائيلي (إميل حبيبي، إميل توما، توفيق زياد..).

ولعل في هذه الخطوة تحولا نوعيا جديدا لم يكن ليأتي لولا التطورات والوقائع التي فرضتها صيرورة تطور العملية الوطنية الفلسطينية والانتفاضة الفلسطينية من جهة، والتفاعل الكبير لحركة الشعب الفلسطيني في مناطق الـ 48 مع حركة الشعب الفلسطيني على ارض الضفة والقدس والقطاع، وانفتاح العلاقات العربية مع الفلسطينيين داخل اسرائيل. فماذا يحمل هذا القرار الجديد الذي صوت عليه اعضاء الكنيست الاسرائيلي، وهل تقف ابعاده عند المساس بشخص تميز بدوره وسط التجمع الفلسطيني داخل اسرائيل، وتميز بمجموعة من الافكار التي تحتمل النقاش، ام ان القرار ينطوي على ابعاد تفوق شخص عزمي بشارة بمدلولاته السياسية؟

الجواب يشير الى التشخيص الذي يقول بأن القرار يتجاوز عزمي بشارة، وربما سيطال الآخرين كالدكتور احمد الطيبي، وطلب الصانع من الحزب العربي الديمقراطي. فالخلفية الحقيقية التي يقوم على تخومها السلوك الاسرائيلي الجديد برفع الحصانة عن النائب بشارة مردها الى الى مجموعة من العوامل الفاعلة في حياة التجمع اليهودي داخل اسرائيل تقف على رأسها المسألة المتعلقة في الخيار بين: يهودية الدولة او الدولة لكل مواطنيها.

فإسرائيل ما زالت بعرف الاغلبية الساحقة من القوى الحزبية والاجتماعية والسياسية اليهودية بما في ذلك عند بعض اطراف الوان «اليسار الاسرائيلي» هي «دولة اليهود» الذين يحق لهم ما لا يحق «للاقليات» والمقصود بالاقليات السكان الفلسطينيون الاصليون ابناء البلد. وبالتالي فإن الديمقراطية عند المجتمع اليهودي على ارض فلسطين مفصلة تماما على مقياس خاص لا ينطبق على الفلسطينيين المتجذرين على ارض فلسطين عام 48.

ايضا فإن طغيان المد اليميني المتطرف التوراتي والقومي الموغل في روايته الميثولوجية داخل المجتمع اليهودي على ارض فلسطين يعتبر سببا وجيها في استفحال النزعة العنصرية تجاه المواطنين العرب في اسرائيل، وهذا التيار، اي التيار اليميني بجناحيه العقائدي التوراتي والقومي العلماني يتمتع الآن بنفوذ كبير يتغذى منه شارون بسياسته العدوانية والفاشية الدموية ضد الشعب الفلسطيني.

* اليسار الإسرائيلي والسلوك الانتهازي

وأظهر القرار ايضا مدى الانتهازية التي يمارسها سلوكا وعملا ما يسمى «تيار اليسار الصهيوني» وتحديدا داخل الكتلة الاكبر الممثلة بأعضاء حزب العمل في الكنيست وريث الماباي والمابام حيث هرع ممثلوه في الكنيست للتصويت (باستثناء نواف مصالحة النائب العربي في الكنيست عن حزب العمل) على قرار رفع الحصانة عن النائب بشارة، وزادوا على هذا بالهجوم على مجموعة ميرتس التي تضم يهودا وعربا في صفوفها، فلم يسلم يوسي ساريد، وران كوهين من هجمات يسار حزب العمل.

وخلاصة القول: ان اسرائيل ما زالت الى الآن في موقع آخر لا علاقة له بعملية سلام او تسوية او حلول وسط. فإسرائيل امام منعطف طريق، فإما: سلام حقيقي له ثمن واضح بانصاف الشعب الفلسطيني والاعتراف بحقوقه بما في ذلك الاعتراف بحقوق الفلسطينيين في فلسطين 48 القومية والثقافية. واما دولة توراتية بسكانها اليهود فقط.

ويقينا ان اسرائيل التوراتية اصبحت وراء التاريخ، وعليه فإن الحراك سيتواصل داخل اسرائيل على كل المستويات السياسية والاجتماعية وعلى المستوى الآيديولوجي، وبالتالي فإن برنامج العمل القادم ينتظر من جميع الاحزاب العربية داخل اسرائيل مهام اضافية يقف على رأسها حماية الذات وحق الجماهير العربية في الدفاع عن انتمائها القومي وحقها في المواطنة الكاملة. ومن هنا اهمية وحدة الفعل الوطني بين مختلف الاحزاب العربية داخل الخط الاخضر وتجاوز الانقسامات الداخلية، وتجنيد المجموعات اليهودية المتواضعة الحضور والمعادية للمؤسسة الامنية والعسكرية الاسرائيلية في الدفاع عن المطالب المحقة للمواطنين العرب على ارض وطنهم التاريخي.

ان عقاب ومحاسبة عزمي بشارة على يد السلطات الامنية والعسكرية الاسرائيلية ابعد من عقاب فرد واحد، وربما يؤشر على عقاب شعب يحمل طموحات وأحلاماً وطنية مشروعة.

* كاتب فلسطيني ـ دمشق
الشرق الأوسط