تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
28 فبراير, 2002

اليوم الأول لمحاكمة الدكتور عزمي بشارة

أعلام سورية أمام المحكمة
عزمي بشارة يتهم وإسرائيل قد تضطر للتراجع

حلمي موسى

أفلح الدكتور عزمي بشارة في تحويل قفص الاتهام الذي أعد له في المحكمة الإسرائيلية في الناصرة إلى منصة ادعاء تهدد بوضع إسرائيل حاضرا وتاريخا في قفص الاتهام. وأعلن عند بدء مرافعته أنه يؤكد ثانية كل كلمة قالها تأييدا لحق الشعبين اللبناني والفلسطيني في المقاومة، وأنه غير نادم على تأييده للمقاومة التي خاضها حزب الله في لبنان.

وأوضح بشارة أنه سيعمل من أجل تحويل المحكمة إلى مدرسة يتعلم فيها الإسرائيليون دروسا في تاريخ المقاومة من مناضلي المقاومة في فرنسا وجنوب أفريقيا الذين سيأتون لتقديم شهاداتهم.

وأكد بشارة في حديث ل”السفير” أنه يشعر بفخر عظيم لما تجلى من إحياء لمشاعر التلاحم الفلسطيني اللبناني السوري في ظل التضامن مع قضيته. وقال إنه يأمل أن تشكل مظاهر التضامن التي تبدت في جميع أقطار الوطن العربي، خاصة في سوريا ولبنان وفلسطين “بروفة” حقيقية لتكوين رأي عام شعبي عربي مؤثر وفاعل. وذكر بشارة أنه منذ الساعات الأولى لبدء محاكمته ظهرت علائم المأزق على المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة، التي لاحظت كيف أن قضيته غدت مصدر تفاعل عربي شامل. وشدد على أنه ليس من يتعرض للمحاكمة، وإنما “نحن الذين فتحنا منصة دولية لمحاكمة إسرائيل”.

وقال بشارة ل”السفير” انه “وإن كان الإعلام قد أدى دورا بارزا في تعميق مظاهر التضامن معه، إلا أنه يدرك أن النفس العربية خاصة في فلسطين وسوريا ولبنان تجد نفسها مبتورة. إنها جسم يبحث عن أعضائه، وهو يبحث عن معنى. ولا يمكن إلا ملاحظة أن هذا التلاحم هو في الأصل تلاحم قومي، تقدمي وديموقراطي. وهذا يبعث فينا التفاؤل على المدى البعيد”. وأشار بشارة إلى معنى قيام النخب والشباب في الجامعات بالتضامن معه، وقال إنه كمناضل طلابي سابق، شعر بأن هذه التحركات أعادت إليه شبابه.

وللمرة الأولى ربما، في تاريخ النضال القومي العربي داخل فلسطين، وحدت محاكمة بشارة جميع التيارات الوطنية والإسلامية هناك، التي كان لها حضور مكثف في قاعة المحكمة.

وقد حضر المحكمة وفد من المشايخ الدروز وأحرار الجولان من الهضبة السورية المحتلة.

وبلغت مشاهد التضامن ذروتها عندما تقدم زعيم الحركة الإسلامية الشيخ رائد صلاح لمعانقة بشارة والسير إلى جانبه نحو باب المحكمة. ودفعت مشاعر التضامن هذه الحشود التي رافقت بشارة إلى المحكمة إلى الإحساس بقوة كبيرة قادتها إلى رفع العلم السوري. وذهب مراسل التلفزيون الإسرائيلي إلى حد القول: هذه هي المرة الأولى التي يرفع فيها العرب علم سوريا أمام مؤسسة رسمية إسرائيلية. وأشار متضامن كان يرفع العلم السوري، إلى أنه يرفع هذا العلم “لأننا نريد أن نكون وطنا واحدا. ونريد أن يرتفع علم سوريا في فلسطين وفي كل مكان”.

وكان المتظاهرون قد حملوا لافتات كتب عليها “الاحتلال هو الإرهاب”.

وحضر المحاكمة إضافة إلى معظم أعضاء الكنيست العرب ورؤساء السلطات المحلية العربية في إسرائيل، مراقبون أجانب وممثلون عن العديد من جمعيات حقوق الإنسان في العالم. وهتف المتظاهرون أمام المحكمة بأن محاكمة بشارة هي “محاكمة درايفوس” الثانية.

وقبيل دخوله قاعة المحكمة أعلن بشارة أن “هذه محاكمة سياسية، وأنا لا أحاكم هنا كشخص وإنما كممثل لأفكار سياسية. وأفكاري السياسية تعتبر مقاومة الاحتلال أمراً مشروعاً. وهذه هي القضية التي أتعرض للمحاكمة بسببها. وفي اعتقادي أن هذا عار لإسرائيل وفخر لي”.

وقد ركز محامو بشارة في الجلسة الأولى على عدم صدقية الاتهامات وكونها سياسية. وأشار المحامون، وهم من مركز “عدالة”، على أن رفض المدعي العام في البداية اعتبار خطاب بشارة في القرداحة أو أم الفحم مخالفة قانونية، يدلل على أن دوافع المستشار القضائي للحكومة الاسرائيلية عند توجيه لائحة الاتهام، كانت سياسية وليست قانونية. وطالبوا بإلغاء لائحة الاتهام.

ورفض الادعاء الاسرائيلي حجج محامي بشارة وأكد أن المحاكمة ستتواصل بعد الإصرار على بنود لائحة الاتهام التي تشمل “تأييد منظمة إرهابية وفقا لتعليمات الطوارئ”. وقال المدعي الاسرائيلي، إن المحاكمة لا تجري لأفكار وآراء بشارة وإنما فقط لتصريحات محددة تشذ عن المسموح به لأنها تدعو لتبني أساليب قتالية إرهابية ضد اسرائيل.

واضطر رئيس المحكمة الى وقف المحاكمة مؤقتا للبحث في إجراءات النظر في القضية، وقرر في أعقاب ذلك السماح لمحامي بشارة بعرض موقفهم قبل قراءة لائحة الاتهام. تجدر الإشارة الى المفارقة التي عمدت اسرائيل الى إضفائها على هذه المحاكمة، حيث عقدت المحكمة في الناصرة العليا وهي مستوطنة أقامتها اسرائيل لتهميش دور مدينة الناصرة، ويرأس طاقم القضاة، قاضٍ عربي اسمه توفيق كتيلي.

وقد لخص بشارة بعد انتهاء جلسة المحاكمة الموقف على النحو التالي: إنهم يريدون إدانتي، ولكنهم يشعرون الآن بالمأزق. والواقع أن الكثيرين في المؤسسة الاسرائيلية الحاكمة يشعرون بالمأزق. وقد أشار مقدم البرنامج الإخباري الرئيسي في التلفزيون الاسرائيلي الى أن المحاكمة قدمت لبشارة سلاحا قويا ضد اسرائيل. كما عمد المعلق القضائي في القناة الاسرائيلية الأولى الى القول إن قضية بشارة سوف تصل الى المحكمة الاسرائيلية العليا.

وقال المحامي موشيه نغبي إن قضية بشارة تثير ثلاث علامات استفهام مزعجة جدا بشأن تقديرات الادعاء العام: فأولا أظهر المستشار القضائي للحكومة عندما قدم لائحة الاتهام هذه ضد بشارة، عدم إحساس بمشكلة الحصانة البرلمانية. فحقيقة أنه اتهم عضو كنيست، يعتبر الكلام وظيفته، حيث مصدر كلمة برلماني في الأساس هو الحق في الكلام، تثير علامات تعجب، إذ إن سابقة عضو الكنيست محمد ميعاري تؤكد أن كل تصريح سياسي لعضو كنيست، بما فيه تأييد منظمة إرهابية، يعتبر من حق عضو الكنيست. والمستشار القضائي للحكومة الاسرائيلية يحاول بذلك تغيير السابقة القضائية لعضو الكنيست ميعاري وتحديد خطوط حمراء لأعضاء الكنيست.

والنقطة الثانية ان المستشار القضائي تجاوز صلاحياته عندما قفز عن مصلحة الجمهور، وأوضح ان الجمهور الإسرائيلي ليس له مصلحة في التفاف العالم حول بشارة. أما النقطة الثالثة، فتتعلق بالكيل بمكيالين في تنفيذ القانون. وأشار في هذا الصدد الى تصريحات الحاخام عوفاديا يوسف ضد العرب وضد أعضاء كنيست ولم يقم بتقديم لائحة اتهام ضده. وكذلك وزراء في الحكومة الإسرائيلية يتحدثون عن ترحيل العرب. وأكد ان علامات الاستفهام هذه هي التي تخلق الأرضية المناسبة لتحويل محاكمة بشارة الى حدث اعلامي من الدرجة الأولى.

ولاحظ المعلقون في التلفزيون الإسرائيلي ان الاهتمام الدولي بقضية بشارة يضع إسرائيل في موضع حرج.

وقد قررت المحكمة الإسرائيلية إرجاء المداولات الى جلسة أخرى تعقد في السابع من شهر نيسان المقبل. ولكن حتى ذلك الحين من المقرر ان تبحث جهات إسرائيلية عديدة في وسائل أخرى لإخراج إسرائيل من حلبة المعركة الدعائية والسياسية حول قضية تعتبر خاسرة، والتركيز على أساليب أخرى. ويرى معلقون فلسطينيون وإسرائيليون ان اليمين الإسرائيلي قد يندفع الى اقرار اجراءات تشريعية في الكنيست الإسرائيلي للحيلولة دون خوض التجمع الوطني الديموقراطي، الذي يرأسه بشارة، والحركة الإسلامية، الانتخابات للكنيست.

وكان بشارة نفسه قد أوضح ان المستهدف بهذه المحاكمة هو التيار القومي العربي في إسرائيل، وكذلك الحقوق الوطنية والقومية للشعب الفلسطيني. ولم يستبعد في حديثه ل”السفير” ان تتراجع السلطات الإسرائيلية عن المحاكمة وتنقل المعركة من الجانب القضائي الى الجانب التشريعي.

ولاحظ معلقون إسرائيليون ان حملة التضامن العربية مع بشارة لم يسبق لها مثيل.

تجدر الإشارة الى انه ما ان انتهت جلسة المحاكمة حتى تسلم بشارة مع الشيخ رائد صلاح وعضو الكنيست عبد المالك دهامشة رسالة تحذيرية من لجنة التحقيق الرسمية التي تحقق في هبة تشرين الأول عام 2000. وتعني هذه الرسالة التحذيرية ان هؤلاء قد يتعرضون للملاحقة القانونية عن دورهم في التحريض على انتفاضة الأقصى.

السفير (الأربعاء، 28 شباط / فبراير 2002)

§ وصـلات:

محاكمة المناضل عزمي بشارة

جريدة السفير