تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
15 مارس, 2013

عن ظاهرة الشبيحة

عزيز تبسي

الشبيحة منتوج عضوي لنظام الطغمة العسكرية الحاكمة وفسادها السياسي والاقتصادي وانحطاطها الأخلاقي، وبعض من قاعدتها الطائفية. شكلت الطائفية-العائلية نواتها الصلبة التأسيسية، قبل توسعها متحررة من مركزيتها، لتتعمم على البلد برمته، وتغدو السلطة العارية الوحشية للطغمة العسكرية بحيازتها قوة مالية مهولة ناتجة عن المجال الطفيلي الذي تغزوه وتوسعه بقوة الكلاشنكوف، والمسدسات المكتومة الصوت والسجون الكيدية والاحتيال المشفوع بأختام الفساد القضائي، تراكمات ناتجة من السرقات العلنية وريوع المضاربات العقارية وتهريب المحروقات والسجائر والمخدرات...الخ، انطلقت من ضباط وصف ضباط وعساكر مسرحين من الخدمة، وضمت مجموعات هامشية لا تملك أي تحصيل تعليمي أو إتقان حرفي، ما يسموا وفق قاموس العمل ب"الفعّالة" ومفردها"فاعل"، وهو تعبير محلي للدلالة على من لا يملك سوى قوته العضلية المجردة/العارية، يستخدمها في الحفر، نقل كوم تراب من مكان لآخر، رفع أحمال ونقلها... وتتوسع لتشمل عاطلين عن العمل وأصحاب سوابق جنائية من مدمني مخدرات وقتلة...، مع هذا المتحد(طغمة عسكرية-شبيحة) نكصت الدولة الرأسمالية بقيمها الجمهورية(الإفتراضية)، إلى شكلها المملوكي عديم الحياء، ووقعت رهينة أسره مكبّلة بالأصفاد تحت رحمة طلقات الكلاشنكوف الحاسمة، وفرار طويل من تعقب ومطاردات اثني عشر فرع مخابرات، تأكل من يواجهها نيئاً ومسلوقاً.

لم ينطلق هؤلاء كعضوية مميزة الهوية والأهداف مثل حزب البعث في وثبته الطويلة من مقهى البرازيل إلى الحياة السياسية، بل من البقايا المتحللة من جمعية الإمام المرتضى الفاشية الطائفية شبه العسكرية التي كان يقودها الأستاذ جميل الأسد(الذي خلّف بعد وفاته لورثته5,4مليار دولار وكميات مهولة من سبائك الذهب والمجوهرات والعقارات... دون التوصل اليقيني عن طبيعة عمل هذا الأستاذ). والمنحلون من سرايا الدفاع التي كان يقودها العميد الركن الدكتور رفعت الأسد(صاحبة الميراث الدموي في مدينة حماة وسجن تدمر ...)، بعد أزمة1983-1984ونتائج الصراع السياسي الحربي بين أجنحة السلطة السياسية، اللذين اعتادوا المغانم والسلبطة على الناس في أسواق دمشق وبيروت على وجه الخصوص، وإظهار"العين الحمراء"على الدوام والتهديد بمشاهدة "نجوم الضهر"، وإستعدادهم الدائم لاستخدام العنف في حل النزاعات، وتجاوز القوانين وأجهزة السلطة التنفيذية التي تطبقها، ليصيروا مع الوقت، التعبير الواضح عن التمازج العضوي بين القوة العدوانية العارية والسوقية المنحلة.

تشكلت ظاهرة علنية شبه حربية في المناطق الساحلية قبل أن تتوسع تنظيمياً على بعض جغرافيا البلاد، تتمول ذاتياً من الاقتصاد الأسود المتنامي وتتحصن بفساد القضاء والشرطة والأمن والإسناد العلني من مراكز القرار العليا في السلطة السياسية، لتنتج مع الزمن رمزيتها وإشاراتها الخاصة: اللباس الأسود- الذقن الطليقة-الرأس الحليق- الطول الفارع والبدانة الهرمونية- الأوشام الظاهرة على الزنود والأذرعة.........انطلق هؤلاء من مطاعم طاحونة الحلاوة وسلحب وجورين وأبي قبيس، حيث التثقيف العقائدي يأخذ شكل "مازوات "مع جرعات العرق وسجائر الحشيش الثقيلة، لتغيب مع الوقت الفروقات الثانوية بين "حبيب- غالي- حقير، وهي من الأسماء الأثيرة على ألسنتهم" وتهيؤا لفرض قيمهم على المجتمع من خلال وصولهم الميّسر إلى الإعلام المركزي الاحتكاري، وحيث الثقافة انحسرت إلى ركن الغناء والدبكة، لتتحول مغنيات وراقصات ومغني ودبيكة مقاصف الغاب الغربي إلى مغني"الوطن"وقواديهم إلى أعضاء مجلس الشعب ورجال أعمال.

وليست الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية ما يعجزون عن مقاومته فحسب، بل العرق ولفائف الحشيش والسمك المشوي والكباب والترقب المتوتر لأحدث ظهورات "الحلوات" (للتربيت) على مؤخراتهن والاختبار اللزج لحدود ممانعتهن ومقاومتهن، ووضع ورقة نقدية من فئة الألف ليرة بين أثدائهن المنفرة... ولا يعرف متى بدأت مغامراتهم، أعندما رأى المغني في السماء ثلاث نجمات، وتبين له على وجه السرعة أن "واحدة لحافظ واثنتين لرفعت" وأعلنها كنبوءة هادرة، وفق موال شهير جرى تداوله في أعوام82-84 في الأوساط الدنيا من المجتمع.

أم من "ضربت المرش في البيجو ماشخرت/ وراح وجع بطني مش خريت" لتتأسس وتنطلق معها أو قبلها ظاهرة اجتماعية ذات طابع عسكري حربي، أنتجت مقولاتها الشفهية وممارساتها الجنونية السوداء.

*(مقتطفات من مقال لعزيز تبسي مجلة دمشق)