تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
27 فبراير, 2014

برهان غليون: أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين

حول خطاب أبو محمد الجولاني:

برهان غليون


بتاريخ 25/2/2014 وجه زعيم تنظيم جبهة النصرة ابو محمد الجولاني خطابا تحذيريا الى تنظيم "داعش" يدعوه الى تحكيم شرع الله في الخصومة الحاصلة، ويعطي مهلة للتنظيم (خمسة ايام) للرد. وهذا ما نال استحسان معظم الجبهات وكل السوريين الذين عانوا من سياسات التنظيم القائمة على استسهال تكفير المسلمين واستباحة دمائهم. وقد فسر قائد فصيل “جيش الإسلام” زهران علوش ذلك بما يتمتع به “تنظيم الدولة” من علاقات مشبوهة مع المخابرات السورية والإيرانية، وكذلك أجهزة استخبارات عالمية.

لكن كيف يستقيم هذا النقد الصادق الذي وجهه أبو محمد الجولاني في خطابه إلى تنظيم الدولة مع قوله في الخطاب نفسه "نحن لا ننكر ان هناك جماعات تقاتلكم قد وقعت بردة وكفر كحال الاركان والائتلاف ومن يقوم على مشروع الجيش الوطني الذي يسعى من خلاله لتثبيت حكومة علمانية والقضاء على مشرع اسلامي راشد".
أليس في هذا استسهال في تكفير جماعات المسلمين ومن ثم استسهال هدر دمهم، أو التشجيع عليه. وهو ما يعني الوقوع في المطب نفسه الذي برر الانتقاد والرد؟

يستحق الإئتلاف وتستحق الأركان وربما الجيش الوطني- الذي لم ينشأ بعد - الكثير من الانتقاد والتقريع، لأنها جميعا مؤسسات مقصرة في حق الثورة والشعب، لكن شتان بين التشهير والتكفير. وليس الخطأ السياسي كالكفر الديني ولا يمكن مطابقة واحدهما للآخر.

لا يمكن لمثل هذه التصريحات التي تحرض على القتل تخدم ثورة السوريين من أجل الحرية والكرامة، ولا مشروع الاسلاميين، بمقدار ما تذرع الشك والفتنة والانقسام بين المسلمين، وتزعزع ايمان السوريين بوطنهم ومستقبلهم، وتصب الماء في طاحونة الطاغية اللئيم. وهي لا تتماشى مع أي عهد، لا عهد الاسلام ولا عهد الوطنية ولا عهد الانسانية. ولا أعتقد أنه بمثلها يمكن أن نبني الجبهة العربضة التي نحتاجها لمواجهة أحط فاشية عرفها التاريخ، ولا من باب أولى أن نعيد بناء سورية شعبا ووطنا وحضارة، كتلك التي يحلم بها السوريون جميعا وضحوا من أجلها بفلذات أكبادهم وكل ما يملكون.

لكل سوري الحق في أن يفكر كما يشاء ويتبع التأويل الذي يعتقد أنه الأصدق مع ضميره وايمانه. لكن لا يحق لأي إنسان أن يصادر حق الآخرين في أن يكونوا أوفياء لضميرهم وايمانهم بالمثل. غير ذلك يعني التسليم لقانون الأقوى وسياسة القتل على الفكر والايمان والهوية، واستحالة أي حياة مدنية أو عيش مشترك او دولة قانونية.
قال تعالى:
"ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين" وقال أيضا
"ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين"