تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
22 مايو, 2014

الفلسطينيون مشمولون في المقتلة السورية

عدلي صادق

بألمٍ عميق، روى الشاعر الفلسطيني، أَحمد دحبور، في مقالة له، حكاية شقيق زوجته، فؤاد عمر العمر، الذي قضى تحت التعذيب في أقبية المخابرات السورية. ورسم دحبور صورة للشهيد الضحية، فركّز على السمات الدالة على براءته وإنسانيته، وعلى عدم انحياز الرجل لطرف في الصراع الدائر!

هذه واقعة يطال مثلها، في سورية، فلسطينيين كُثراً وبمعدل يومي، وإن اختلفت وسائل القتل. لكن العجيب، والجنوني، والمغرق في البلاهة، وفي تضييع الذاكرة واختلال معايير القياس، أن شرائح من النُخب العربية القومية واليسارية، أو العلمانية، تجاهر، الآن، بالدفاع عن النظام السوري الذي لا تنطبق عليه أية صفة ذات علاقة بأي منهج للاجتماع السياسي. فلا هو علماني، بالمعنى السلوكي والجوهري للعلمانية، ولا هو قومي، بالمعنى الأيديولوجي والمسلكي للقومية، ولا هو عروبي، وفق حقائق الاصطفاف الحاصل إلى جانبه في هذا الخضم، ولا هوــ بالطبع ــ ديموقراطي، ولا هو، بحسبة الزمن والحقائق، متصدٍ لعدو ولا هو ممانع يكبحه، ولا هو حبيب مأمون الجانب للحركة الوطنية الفلسطينية، ولا هو بعثي وفق المحددات التي وضعها المؤسسون الأولون للحزب، ولا هو أي شيء، سوى نزعته الأبدية للاستمرار في الحكم بأسلوب يعرفه القاصي والداني!

يتخذ المتعاطفون مع هذا النظام العاهة؛ من كون بعض مقاومي آلة الحرب التي جعل منها هذا النظام أرجوحة موت، بكل الألوان، لشعبنا العربي السوري؛ إسلاميين، أو من متشددي السلفية الجهادية. تسمعهم يتجاوزون عن كل حيثيات الحاكمين في سورية، على هولها، فيناوئون ثورة شعبٍ ذات مضمون إنساني وديموقراطي وطبقي، ويسحبون على شعب سورية الشقيق المعذّب، الملمح الذي يتطيّرون منه. ذلك علماً بأن ملمحاً كهذا لم يكن سينشأ، بدون التصحر السياسي الذي أوقعه النظام في المجتمع، عندما كان يعاقب العناصر من التكنوقراط، لمجرد مطالبتها بشيء من الإصلاحات، ويزجّ في السجن، ويعذّب، الشباب والطاعنين في السن، والمرأة، حتى بات سجن تدمر، وهو الأنموذج الأدق تعبيراً عن "ممانعة" النظام وأخلاقه، وعن علاقته بالإنسانية وبمبدأ احترام البشر. ففي تدمر، يقوم آخر ما تبقى في هذه الدنيا من سجون لها كل مواصفات السجون الكهوف في القرون الوسطى، والتي يظل الإنسان فيها عُرضةً للضرب المبرح في كل يوم، على امتداد عشرين سنة. ومن لا يعرف، عليه بقراءة ما تيسّر من مذكرات معتقلين سوريين سابقين، نساءً ورجالاً، معظمهم من الشيوعيين والبعثيين الموالين لفرع الحزب في العراق، وقليل منهم من جماعة الإخوان المسلمين.

نحن، هنا، بصدد مسألة سيكولوجية، تتعلق بالإحباط الذي باتت عليه بعض النُخب العربية اليسارية والقومية. فعندما أحسّت بفشلها، ولم تقدم بدائل، ولا إجابات عن أسئلة الحياة، ولا استطاعت التوغل في المجتمع، اختارت الهرب. من هذه النُخب، من هرب إلى منظمات غير حكومية، ممولة من أقطار الاستعماريْن القديم والجديد، ومنها من هرب إلى العدم، فلم يعد قادراً على أن يتفهم حاجة شعبٍ شقيق إلى الحرية. اكتفى هؤلاء من "الفعل" برفض ظاهرة التفشي الأصولي، لأن وجودها ــ بقطع النظر عن أسباب أخرى لاختلافنا معها ــ يعني، في ما يعنيه، تكريس فشل مشروع اليسار والمشروع القومي. لم يتحلَّ هؤلاء بقدرٍ من الموضوعية، لكي يضعوا النقاط على الحروف، أو على الأقل، لأن يتذكّروا أن المستبدين الذين أهانوا شعوبهم هم الذين أحبطوا المشروعات النهضوية على صعيد الأمة.

الشاعر أحمد دحبور يروي قصة إنسان فلسطيني قضى تحت التعذيب. والفلسطينيون في سورية يروون حكاياتٍ لا حصر لها، وهم مستَهدفون الآن ومحاصَرون. لم يعد ثمة منطق في الموقف الذي يقول إننا مضطرون للحفاظ على علاقةٍ مع النظام السوري "لكي نحمي شعبنا"، فيما الشعب الفلسطيني في سورية بات مستباحاً، مثلما يُستباح أشقاؤه السوريون. بات الموقف الحذر والمحابي للنظام السوري عامل تغطية على الفظائع، ولا يسمح بمجرد مراجعة النظام حول أية فظيعة من فظائعه. أما تعاطف بعض الشرائح من القوميين واليساريين، فهذه مشكلة نفسية، وليست معرفية، أو سياسية. هم يعرفون كيف كان النظام المستبد يُنكّل في رفاقهم، ويبيد وجودهم. ومن دواعي الأسف، أن هؤلاء بموقفهم، يُحسبون، الآن، ضمن زمرة الذين يحاولون إطالة عمر نظامٍ لا يُرجى منه، لهم ولغيرهم، أي خير! 

المصدر: صحيفة العربي الجديد